بحوث إسلامية

بحث عن هجرة الرسول

بحث عن هجرة الرسول سنتعرف عليها من خلال هذا المقال، كانت هجرة الرسول لها أسباب عديدة، لذلك قرر الرسول ترك المكة والهجرة إلى المدينة المنورة.

بحث عن هجرة الرسول

الهجرة النبوية هي هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من مكّة إلى يثرب؛ بسبب ما لاقوه من أذى المشركين، وبهدف تأسيس مكان آمن للدعوة الإسلاميّة، وكان ذلك في العام الثالث عشر للبعثة النبويّة، وقد أوجبها الله تعالى على من آمن من المسلمين، وبقي الأمر كذلك حتّى فتح مكة، وفي هذا المقال: بحث عن هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيتم ذكر سبب جعل المدينة النبوية دارًا للهجرة دونًا عن غيرها من المدن، وبعض ما لاقاه الرسول-صلى الله عليه وسلم- في طريقه إليها.

سبقَ هجرة الرسول-صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب عددٌ من الهجرات، وهي هجرة أصحابه إلى الحبشة بأمر منه -عليه الصلاة والسلام-، وهجرته إلى الطائف؛ بسبب رفض أهل مكة دعوته واتهامه بالسحر والجنون وتخطيطهم لقتله صلوات الله وسلامه عليه، خاصّةً بعد وفاة عمه أبو طالب، وبعد ما لاقى من آمن به شتى أنواع العذاب والتنكيل من المشركين كما حصل بآل ياسر، أذن الله تعالى له بالهجرة إلى يثرب؛ وذلك لأن أهلها تقبلوا الإسلام ورحبوا بالدعوة، بعدما أرسل لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير وابن أم مكتوم لتعليمهم القرآن وشرائع الإسلام.

وفي بحث عن هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا بدّ من بيان نتائج هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة المنورة، فلم يكن الهدف الوحيد من الهجرة هو الابتعاد عن أذى قريش، بل كان لها عدّة نتائج مثمرة عادت على الأمة الإسلامية بالنفع والخير، فالمدينة المنورة تعد إحدى المدن التي أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بزيارتها بقوله: “لا تُشدّ الرِّحال إلا إلى ثلاثةِ مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى” .

ومن نتائج هجرة الرسول أيضًا: أن أصبحت دار الهجرة “المدينة المنورة” موطنًا لنشوء الدعوة الإسلامية ومحاربة المشركين، فقد شُرع الجهاد بعد الهجرة وبعدما قويت شوكة المسلمين من المهاجرين والأنصار، ثمّ ترسيخ مبدأ التعاطف والتكافل الاجتماعيّ بتآخي المهاجرين والأنصار ومشاركتهم بعضهم البعض في الأموال والأعمال، واجتماع كلمة أهل المدينة من الأوس والخزرج بعد سنوات من الحروب والنزاع، وأصبح يطلق عليهم الأنصار، وبناء أول مسجد في الإسلام، وتجمع المسلمين للصلاة فيه، والرضا بأوامر الله تعالى مهما كان فيها من مشقة وتعب، فقد ترك المهاجرونَ بيوتهم وأعمالهم في مكة استجابةً لأمر الله تعالى في الهجرة.

وفي بحث عن هجرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لا بدّ من ذِكر الطريق التي سار بها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- وصاحبه أبو بكر وما كان يكتنف الطريق من مخاطر، وكيف نجّاهم الله تعالى منها في الطريق إلى المدينة، إذ وردَ أنّ الرسول-صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر أصابَهما الجوع والعطش

فمروا بخيمة أبي معبد، فعن قيس بن النعمان -رضي الله عنه- قال: “لما انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر مستخفيان، نزلا بأبي معبد فقال : والله ما لنا شاة وإن شاءنا لحوامل، فما بقي لنا لبن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسبه: فما تلك الشاة؟، فأتى بها، فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالبركة عليها ثم حلب عُسا (قدحا كبيرا) فسقاه ثم شربوا، فقال : أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ ؟!

قال: إنهم يقولون، قال : أشهد أن ما جئت به حق، ثم قال: أتبعك؟، قال: لا حتى تسمع أنا قد ظهرنا، فاتبعه بعد”، وكانت هذه الحادثة سببًا في إسلام أبي معبد وزوجته. ومعجزة أخرى في طريق الرسول-صلى الله عليه وسلم- وهي عدم رؤية المشركين للرسول-صلى الله عليه وسلم- وصديقه أبا بكر في الغار رغم قربهم الشديد منهم، يقول أبو بكر -رضي الله عنه-: “نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه؟!، فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما”.

هجرة الرسول مع أبو بكر الصديق

قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: “فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ:

“أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ”. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: “فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ”. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “نَعَمْ”. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “بِالثَّمَنِ”. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أسماء بنت أبي بكر قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ

قَالَتْ: ثمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عبد الله بن أبي بكر، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رجلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ”.

وفي رواية: “قَالَ أبو بكر رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدِي نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ. فَأَعْطَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَاهُمَا -وَهِيَ الْجَدْعَاءُ- فَرَكِبَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ وَهُوَ بِثَوْرٍ فَتَوَارَيَا فِيهِ، فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غلامًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا، وَكَانَتْ لأَبِي بَكْرٍ مِنْحَةٌ فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِمْ وَيُصْبِحُ، فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا ثمَّ يَسْرَحُ فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِحَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بئر معونة”.

وعَنْ عروة بن الزبير رحمه الله قَالَ: “لَمَّا خَرَجَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، يَعْنِي: رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي أُمِرُوا فِيهَا بِالْقِتَالِ، اسْتَأْذَنَهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَكُنْ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَبَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ لَهُ: “أَنْظِرْنِيفَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي يُؤْذَنُ لِي بِالْخُرُوجِ”. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدِ اشْتَرَى رَاحِلَتَيْنِ يَعِدُّهُمَا لِلْخُرُوجِ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا اسْتَنْظَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَرْجُو مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالْخُرُوجِ، حَبَسَهُمَا وَعَلَفَهُمَا انْتِظَارَ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَسْمَنَهُمَا. فَلَمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ خُرُوجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ قَالَ: “نَعَمْ”. فَانْتَظَرَهُ، فَمَكَثَ بِذَلِكَ.

فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهُمْ بَيْنَا هُمْ ظُهْرًا فِي بَيْتِهِمْ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إِلاَّ ابْنَتَاهُ: عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ، إِذَا هُمْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَكَانَ لا يُخْطِئُهُ يومًا أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ ظُهْرًا، قَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ إِلاَّ أَمْرٌ حَدَثَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ، قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: “أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ”. قَالَ: لَيْسَ عَلَيْنَا عَيْنٌ، إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ. قَالَ: “إِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَة”. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، الصَّحَابَةَ الصَّحَابَةَ. قَالَ: “الصَّحَابَةَ”! قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خُذْ إِحْدَى الرَّاحِلَتَيْنِ. وَهُمَا الرَّاحِلَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ يَعْلِفُهُمَا أَبُو بَكْرٍ يُعِدُّهُمَا لِلْخُرُوجِ إِذَا أُذِنَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ إِحْدَى الرَّاحِلَتَيْنِ، فَقَالَ: خُذْهَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَارْتَحِلْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ”.

وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مُوَلَّدًا مِنْ مُوَلَّدِي الأَزْدِ، كَانَ لِلطُّفَيْلِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، وَهُوَ أَبُو الْحَارِثِ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَكَانَ أَخَا عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَعبد الرحمن بن أبي بكر لأُمِّهِمَا، فَأَسْلَمَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُمْ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْتَقَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الإِسْلاَمِ. فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، كَانَ لأَبِي بَكْرٍ مَنِيحَةٌ مِنْ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ عَامِرًا فِي الْغَنَمِ إِلَى ثَوْرٍ، فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَرُوحُ بِتِلْكَ الْغَنَمِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغَارِ فِي ثَوْرٍ، وَهُوَ الْغَارُ الَّذِي سَمَّاهُ اللهُ فِي الْقُرْآنِ، فَأَرْسَلا بِظَهْرِهِمَا رجلاً مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ حَلِيفًا لِقُرَيْشٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، ثمَّ آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَذَلِكَ الْعَدَوِيُّ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَلَكِنَّهُمَا اسْتَأْجَرَاهُ وَهُوَ هَادٍ بِالطَّرِيقِ، وَفِي اللَّيَالِي الَّتِي مَكَثَا بِالْغَارِ كَانَ يَأْتِيهِمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حِينَ يُمْسِي بِكُلِّ خَبَرٍ بِمَكَّةَ، ثمَّ يُصْبِحُ بِمَكَّةَ وَيُرِيحُ عَامِرٌ الْغَنَمَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَحْلِبَانِ، ثمَّ يَسْرَحَ بُكْرَةً فَيُصْبِحُ فِي رُعْيَانِ النَّاسِ وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ، حَتَّى إِذَا هَدَأَتْ عَنْهُمَا الأَصْوَاتُ، وَأَتَاهُمَا أَنْ قَدْ سُكِتَ عَنْهُمَا، جَاءَهُمَا صَاحِبُهُمَا بِبَعِيرَيْهِمَا فَانْطَلَقَا، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا بِعَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ يَخْدِمُهُمَا وَيُعِينُهُمَا، يُرْدِفُهُ أَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُبُهُ عَلَى رَحْلِهِ، لَيْسَ مَعَهُمَا أَحَدٌ إِلاَّ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَأَخُو بَنِي عَدِيٍّ يَهْدِيهِمَا الطَّرِيقَ….

وعَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها، قَالَتْ: صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى المَدِينَةِ، قَالَتْ: فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ، وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: “وَاللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إِلاَّ نِطَاقِي”. قَالَ: فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ، فَارْبِطِيهِ: بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ، وَبِالآخَرِ السُّفْرَةَ. “فَفَعَلْتُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ”.

من الروايات السابقة يتبيَّن لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ في تنفيذ خُطَّته بسرعة؛ فقد خرج من الظهيرة مُتَّجِهًا إلى بيت الصديق رضي الله عنه، وهو وقت تخفُّ فيه حركة الأقدام في قيظ مكة، وزيادة في التخفِّي فإن الرسول صلى الله عليه وسلم غطَّى رأسه ببعض الثياب، فلو رآه أحد من بعيد ما أدرك بسهولة أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ دخل على الصديق رضي الله عنه في هذه الساعة التي ما جاء فيها إليه من قَبْل طَوَال الأعوام السابقة، حتى إن ذلك لفت نظر الصديق رضي الله عنه، فقال كما تحكي عائشة رضي الله عنها: “فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ”.
إلى هنا والصديق رضي الله عنه لا يعلم أنه سيُهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم طلب النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أن يُخْرِجَ مَنْ عنده زيادة في الحذر، فطمأنه الصديق رضي الله عنه أنه ليس بالبيت إلا ابنتاه عائشة وأسماء رضي الله عنهما، فهنا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم صديقه بأمر الهجرة!

كان أول ما شغل الصديق رضي الله عنه هو السؤال عن صُحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة، فلمَّا بشَّره الرسول صلى الله عليه وسلم بالصحبة كان ردُّ فعل الصديق رضي الله عنه عجيبًا إذ إنه بكى من شدَّة الفرح! تقول عائشة رضي الله عنها: “فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ”!

هذه الفرحة الطاغية كانت لأنه سيخرج في هذه الهجرة الخطرة؛ بل شديدة الخطورة! ولا شكَّ أن الصديق رضي الله عنه كان يُقَدِّر خطورة هذه الرحلة، ولا شكَّ أنه كان يعلم أنه سيكون من المطلوبين بعد ذلك، وقد يُقْتَل؛ لكن كل ذلك لم يُؤَثِّر فيه مطلقًا، فهو يُحِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا لا يُوصف، وكان هذا حبًّا حقيقيًّا غير مصطنع، لازمه في كل لحظة من لحظات حياته؛ منذ آمن وإلى أن مات رضي الله عنه، وبهذا الحبِّ وصل الصديق رضي الله عنه إلى ما وصل إليه.

وقبل أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وسيلة الانتقال إلى المدينة، إذا بالصديق رضي الله عنه يقول: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هاَتَيْنِ. كان الصديق رضي الله عنه يشعر ويتمنَّى أن يكون صاحبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة؛ فاشترى راحلة أخرى غير راحلته، وبدأ يعلف الراحلتين استعدادًا للسفر الطويل، فلما جاء ميعاد السفر كان الصديق جاهزًا تمامًا، لم يُجَهِّز نفسه فقط؛ بل جهز راحلتين، له ولرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض أن يأخذ الراحلة إلا بثمنها، فَقَالَ: “بِالثَّمَنِ”.

نَعَم الصديق رضي الله عنه أنفق معظم ماله على الدعوة؛ ولكن كان ذلك لإعتاق العبيد، وللإنفاق على الفقراء، أمَّا الرسول صلى الله عليه وسلم فمع كونه يقبل الهدية فإنه وجد أن هذه هدية متكلَّفة باهظة الثمن، وهو صلى الله عليه وسلم قد توافر له ثمنها؛ فلم يقبل حينئذٍ أن يأخذها من الصديق رضي الله عنه إلا بالثمن؛ وذلك حتى لا يُثقل عليه؛ خاصةً أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس محتاجًا لهذا العطاء.

أسباب هجرة الرسول من مكة إلى المدينة

ظلَّ سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة منذ أن بُعث نبيًّا يدعو قومه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام، واستمرَّ في دعوته هذه ثلاثة عشر عامًا ولم يؤمن معه إلا القليل، ولاقى خلال هذه الفترة من المشركين ما لاقى من صور العذاب والتنكيل به وبمن آمن معه من أهل مكة، وبقيَ المسلمون على هذه الحال إلى أن أذِن لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة المنورة، وكان تاريخ الهجرة النبوية في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وفيما يأتي ذكر لأسباب الهجرة بالتفصيل:

  • رفض أهل مكة للإسلام

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو أهل مكة لتوحيد الله وقول لا إله إلا الله، لكنَّهم كانوا يرفضون قولها ويُعرضون عنه استكبارًا وجبروتًا على الرغم من علمهم بأنَّ ما يقوله هو الحق، ثم أصبحوا يَعرضون على الروسل -صلى الله عليه وسلم- الأموال وأن يجعلوه سيدًا عليهم مُقابل أن يترك هذا الدين والدعوة ولم يتركه. وقد وصل بهم الأمر أن قالوا للرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّ نهاية هذا الأمر إمَّا هلاكهم أو هلاكه، وأبرز من وقف ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- عمه أبو لهب والذي كان يمشي بين الناس قائلًا لهم: “لا تسمعوا لمحمد فإنَّه صابئٌ كاذب”، وهكذا قابل أهل مكة الدين الإسلامي بالرفض، والإعراض، وإيذاء المسلمين.

  • إلحاق الأذى بالرسول ومحاولة قتله

تمادى أهل مكة في إيذاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشتَّى أنواع الإيذاء النفسي، والمعنوي، والجسدي، وممَّا فعلوه به من الأذى الجسدي ضربهم لرأسه الشريف بصخرة كبيرة أثناء سجوده، ووضع روث الحيوانات على ظهره، كما أنَّ زوجة أبي لهب كانت تضع الأشواك في طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعند باب بيته. أمَّا فيما يتعلق بمحاولات قتله -صلى الله عليه وسلم- فهي كثيرة؛ فقد حاول المشركون بكل جهدهم أن يقتلوا النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- ويتخلَّصوا منه؛ ومن ذلك محاولة عقبة بن أبي معيط خنق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بردائه وهو يُصلّي، حتى تداركه أبو بكر -رضي الله عنه- وخلَّصه منه. كما أنَّهم ضربوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات مرة حتى فقد وعيه، فصار أبو بكر -رضي الله عنه- ينادي: “ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول ربِّي الله”، فتركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانهالوا على أبي بكر بالضرب، ولا ننسى اجتماع قريش في دار الندوة ليلة الهجرة لاختيار شخص من كل قبيلة منهم ليجتمعوا سوية في الليل ويقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيضيع دمه بين القبائل ولا يُعرف قاتله، إلا أنَّ الله -سبحانه وتعالى- نجَّى نبيه في هذه الليلة، وهاجر بعدها إلى المدينة.

  • ملاقاة المسلمين لصنوف من العذاب والتنكيل

تعرَّض المسلمون في مكة لجميع أنواع العذاب من قِبل المشركين، ومنهم من كانت له المِنعة والعزة من قومه، ومنهم من لم يكن له ذلك، وبكل الأحول فقد تعرَّضوا جميعهم للأذى، والتعذيب، والتنكيل؛ فأبو بكر -رضي الله عنه- على سبيل المثال ضربوه في المسجد الحرام بالنِّعال حتى سالت دماؤه ولم تُعرف ملامحه، ونقلوه إلى بيته وهو يصارع البقاء. كما تعرَّض عثمان بن عفان -رضي الله عنه- للتعذيب من عمه؛ إذ كان يلفُّ حصيرًا من أوراق النخيل حوله ثم يشعل النار من تحته، وهذا مصعب بن عمير حرمته والدته من المأكل والمشرب وأخرجته من بيتها حتى يعود عن إسلامه، والضعاف الذين ليس لديهم نصرة من العبيد والإماء كانوا يُلبسونهم دروعًا من الحديد ويجلسونهم تحت أشعة الشمس الحارقة، وفي السياق يُذكر عمار بن ياسر، وزوجته، وابنهما وما تعرَّضوا له من العذاب الشديد، ومع ذلك لم يترك أحدهم الإسلام بل ظلوا ثابتين على عقيدتهم، إلى أن أغدق عليهم الله -سبحانه وتعالى- بالفرج العظيم وتحقيق النصر على أعدائهم وإعلاء شأنهم بين الناس.

  • وجود من يشدّ على يد رسول الله

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج في مواسم الحج للقاء القبائل ودعوتهم إلى الإسلام، وبينما هو كذلك مرَّ على جماعة من الخزرج فاستأذنهم للجلوس والحديث معهم فأذنوا له، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبرهم عن الإسلام ويدعوهم إلى عبادة الله وحده، كما تلى عليهم بعضًا من القرآن الكريم، فآمنوا معه وصدقوه ورجعوا إلى بلادهم. ثم أرسلوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن عفراء ورافع بن مالك يطلبوه أن يبعث إليهم برجل يفقههم في الدين، ويشرح لهم تعاليم الإسلام، فبعث لهم مصعب بن عمير وأمره أن يعلِّمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن، وبذلك لم يبق بيت من بيوت الأنصار في المدينة إلا وذُكر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم كانت بعد ذلك بيعتا العقبة الأولى والثانية. وقد لاقى الإسلام في المدينة انتشارًا واسعًا لم يتوقعه أحد، وبعد الاستقبال الحافل للرسول -صلى الله عليه وسلم- من أهل المدينة، عاهده أهل المدينة على أن ينصروه ويؤيدوه، وأن يقدموا له الحماية كما يحمون أنفسهم، وبذلك أصبح أهل المدينة إخوانًا للمسلمين في مكة ينصرونهم ويقفون إلى جانبهم، وأصبحت المدينة المنورة أرضًا أكثر أمانًا لتكون قاعدة ينطلق منها المسلمون لنشر الدين الإسلامي، فكانت هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها.

  • نشر الدعوة الإسلامية

عند وصول المسلمين إلى المدينة المنورة فعلوا كل ما في وسعهم من أجل خدمة الدعوة الإسلاميَّة ونشرها، ولم يهدورا وقتهم عبثًا، بل استغلوه أيَّما استغلال لخدمة هذا الدين وإعلاء شأنه، ومن ذلك الغزوات والسرايا التي شاركوا فيها، والتي كانت لمناطق مختلفة وكثيرة حول المدينة المنورة، واستطاع المسلمون في المدينة أن يقيموا شعائرهم ويعبدوا الله حق عبادته دون رهبة أو خوف من المشركين، إضافة إلى ممارسة حقهم في الدعوة إلى دينهم والجهاد في سبيل الحفاظ عليه.

إقامة الدولة الإسلامية وبدء عهد جديد

إنَّ الدين الإسلامي لم يقتصر على العرب وحدهم بل جاء للناس كافة، فيقول -تعالى- لنبيه الكريم:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)،لذلك كان لزامًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجد مكانًا أفضل من مكة المكرمة التي سيطرت الوثنية على أهلها، مكانًا يحفظ له حقوقه باتباع الدين الذي يراه الحق، وكانت المدينة المنورة بيئة مناسبة جدًّا كفلت للدين الإسلامي حقه في الانتشار، إضافة إلى تقديم الحماية لأتباع هذا الدين، وبالتالي سارع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة التي أصبحت أول عاصمة للدين الإسلامي.

مراحل هجرة الرسول

  • الخروج من مكة في هجرة الرسول.
  • مرحلة المكوث في الغار في هجرة الرسول.
  • مرحلة الارتحال إلى يثرب في هجرة الرسول.
  • مرحلة في قباء في هجرة الرسول.
  • الدخول إلى المدينة المنورة في هجرة رسول الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى